admin
15-07-2022 - 12:45 pm


قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
نسب النبي صلى الله عليه وسلم من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الناس نسباً، وأكبرهم فضلاً، وأعلاهم مكانة، حيث ينتهي نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدنان، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وأما أمه فهي آمنة بنت وهب، تزوجها والد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب، وأنجب منها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين الموافق ل 12 من شهر ربيع الأول، وذلك في عام الفيل، وسمي هذا العام بعام الفيل لأن أبرهه الحبشي جهز جيشه وحشد معهم الفيلة، وتوجه إلى بيت الله الحرام يريد هدم الكعبة المشرفة، فخرج له عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم على رأس قريش قائلاً له، بأن البيت له رب يحميه وذلك بعدما حمت قريش أموالهم وديارهم من أبرهة وجيشه، وبالفعل حمى الله سبحانه وتعالى الكعبة من أبرهة وجيوشه، فأرسل الله سبحانه وتعالى طيراً أبابيل تحمل حجارة من النار وتقذفها على أبرهة ومن معه فأحرقتهم جميعاً، ولم يستطع أحد منهم الوصول إلى الكعبة، ولقد توفى عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العام، وهو لم يزل حملاً في بطن أمه وإن كان هناك أقوال تخالف ذلك، إلا أن هذا القول هو الصحيح، وهو ما يؤيده كتاب ربنا سبحانه وتعالى في سورة الضحى:( ألم يجدك يتيماً فأوى).

حياة النبي قبل البعثة

من التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم؟
لقد رضع النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد من السيدة حليمة السعدية، حيث كانت تعمل مرضعة مقابل الحصول على المال، فذات يوم جاءت السيدة حليمة إلى قريش لعلها تجد أحداً ترضعه، فينفق أهله عليها وعلى ابنها ولما قدمت قريش لم تجد سوى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يتيماً ورفضت كل المرضعات أن يأخذنه لأنه ليس له والد يدفع أجر الرضاع، ولما لم تجد السيدة حليمة غيره أخذته وعادت به إلى ديار بني سعد، فنالت بصحبته كل الخير وكل البركة، وقيل أن السيدة حليمة كان لها ناقة عرجاء تسير في مؤخرة القوم فلما حملت معها النبي صلى الله عليه وسلم على ناقتها وهو طفل رضيع نهضت ناقتها فسبقت نياق القوم جميعاً، ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عامين من عمره وأكمل رضاعته في بني سعد عادت به السيدة حليمة إلى أمه، ولكنها لم تعد به لكي تتركه عند أمه وإنما عادت به لتستأذن أمه في أن يبقى معها في بني سعد، وتعللت لذلك بالخوف عليه من الأمراض التي توجد في مكة آنذاك، فأذنت لها السيدة آمنة بنت وهب، وعادت به السيدة حليمة إلى ديار بني سعد مرة أخرى بعد ما رأت منه خيراً كثيراً وفضلاً عظيماً وبركة وسعة في الرزق لم ترى مثله قط.

شق صدر النبي

ذات يوم من الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم يلعب مع الصبية الصغار وكان لا زال طفلاً لا يتجاوز الرابعة من عمره، إذ جاء النبي صلى الله عليه وسلم رجلان عليهما ثياب بيضاء، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأضجعاه وقاما بشق صدره واستخرجا منه قطعة صغيرة سوداء ثم قاما بغسله في طست كان معهما، ثم ذهبا وتركاه فلما رأى أخوه من الرضاعة هذا الموقف ذهب مسرعاً إلى أمهما السيدة حليمة فأخبرها بما حدث لأخيه، فخافت عليه السيدة حليمة ولم تكن تعرف أن هذين ملكين أرسلهم الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذت السيدة حليمة السعدية النبي صلى الله عليه وسلم وعادت به إلى أمه آمنة في مكة خوفاً عليه وخشية أن يصيبه شيء عندها.

وفاة والدة النبي

ذات يوم من الأيام استأذنت السيدة آمنة والدة النبي صلى الله عليه وسلم أن تذهب به إلى أخواله لزيارتهم في بني عدي من بني النجار فأذن لها عبد المطلب جد النبي، وذهبت به إلى أخواله وفي طريقها وهي عائدة من بني النجار، وفي منطقة تسمى الأبواء ماتت السيدة آمنة، ولم يكن معها سوى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا زال طفلاً في السادسة من عمره وأم أيمن، فاستعانت أم أيمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في دفن أمه فأعانها وهو يبكي، ثم أخذته وعادت به إلى مكة.

من الذي كفل النبي؟

لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ولد يتيماً بغير أب، وتوفت أمه وهو في السنة السادسة من عمره ولم يعد له من يكفله، تكفل به جده عبد المطلب، فكان جده عبد المطلب يحبه حباً شديداً ويعتني به اعتناءاً بالغاً وكان يظن في النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون ذا شأن عظيم بين العرب قاطبة، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم في كفالة جده عبد المطلب عامين، ثم توفى جده عبد المطلب وانتقلت كفالة النبي صلى الله عليه وسلم من جده إلى عمه أبو طالب بن عبد المطلب وهو في الثامنة من عمره، فكان أبو طالب يحب النبي صلى الله عليه وسلم حباً جماً، حيث أرفقه معه في كل رحلاته التي يخرجها لأنه كان تاجراً ينتقل من بلد إلى بلد، ولقد علم أبو طالب بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة لما مرعلى حبر من أحبار اليهود في طريقهما، وتفرس في النبي صلى الله عليه وسلم وعلم أنه نبي هذه الأمة وأخبر عمه أبو طالب أن يعود به إلى مكة وألا يخرج به بعد ذلك خوفاً عليه لأنه سيكون ذا شأن عظيم.

إشتغال النبي برعي الأغنام

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى الأغنام في مكة ويأخذ مقابل عمله بعض الأموال يستعين بها على العيش، فكان صلى الله عليه وسلم يأكل من عمل يده، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وحده راعياً للأغنام، بل جاء في الحديث الصحيح أن الأنبياء جميعاً كانوا يعملون في رعي الأغنام حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ -جزء من الدينار والدرهم- لأهْلِ مَكَّةَ)، فكان نبينا صلى الله عليه وسلم يضرب لنا أروع المثل في كسب الرزق والعمل الحلال.

إشتغال النبي بالتجارة

لما كبر النبي صلى الله عليه وسلم واشتد عوده، وكان قد تعلم التجارة في صغر سنه لما كان رفيقاً لعمه أبو طالب في أسفاره إلى الشام وغيرها اشتغل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة، واشتهر النبي في مكه والبلاد المجاورة لها، بالصدق والأمانة والعفة والمرؤة والبركة وغير ذلك من مكارم الأخلاق، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أميناً في عمله متقناً له مخلصاً في تأديته، ولقد علمت بذلك السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكانت من سيدات قومها، وتملك مالاً كثيراً فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتاجر بمالها، ووافق النبي صلى الله عليه وسلم وخرج إلى بلاد الشام بمال خديجة واصطحب معه غلاماً للسيدة خديجة كان يسمى ميسرة، وفي طريقهما رأى ميسرة من النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى من الخير والفضل وحسن الخلق والبركة وغير ذلك، وذات مرة جلس النبي صلى الله عليه وسلم يستظل بظل شجرة كانت قريباً من راهب، وأخبر هذا الراهب الغلام ميسرة بأنه لم يستظل بظل تلك الشجرة إلا نبي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تظله غمامة في أوقات الحر لا تفارقه، ولما رجعا من رحلتهما قص ميسرة على سيدته خديجة بنت خويلد ما رأى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرها بما قاله الراهب، فرغبت السيدة خديجة في الزواج من النبي صلى الله عليه وسلم، وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجا فكانت خير زيجة شهدتها قريش.

رفع الحجر الأسود إلى الكعبة

ذات سنة من السنوات بسبب السيول الكثيرة تهدمت حوائط الكعبة بيت الله الحرام، وعزمت قريش على تجديد بناء الكعبة، واشترطوا فيما بينهم أن تكون الأموال التي تنفق في تجديد الكعبة أموالاً طيبة خالصة من الربا، وتم جمع الأموال وجاءوا إلى الكعبة وتقدمهم وليد بن المغيرة وبدأوا بهدم الكعبة، ثم قاموا بأعمال البناء شيئاً فشيئاً وجاءوا بالحجر الأسود ليضعوه في موضعه عندما انتهوا من بناء الكعبة، وهنا تنافس الجميع في وضع الحجر فكل قبيلة تريد أن تحظى بشرف وضع الحجر الأسود، وكبر بينهم الخلاف واشتد الأمر وكادوا يقتتلون جميعاً، ولكنهم رضوا بأن يكون أول من يدخل عليهم يكون حكماً بينهم يختار قبيلة من القبائل تضع الحجر الأسود في موضعه، وسيرضى الجميع حكمه، فكان الداخل عليهم هو النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأوه فرحوا فرحاً شديداً، وقالوا الصادق الأمين رضينا به حكماً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتصف بالذكاء والفطنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بثوب وقام بوضع الحجر على هذا الثوب وكل قبيلة أخذت بطرف الثوب من ناحيتها وقاموا برفعه جميعاً، ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود بيده من على الثوب ووضعه في مكانه، وحقن النبي دماء القبائل وحل الخلاف الذي كان بينهم.

بعثة النبي

كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثير من التعبد إلى ربه في غار حراء، يخلو بنفسه ويتأمل في خلق الله وفي إبداعه لكونه، ويعلم يقيناً أن لهذا الكون خالقاً عظيماً يحكمه ويدبر شؤونه، وذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء جاءه الملك جبريل عليه السلام، فقال له إقرأ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ، فقال إقرأ في المرة الثانية وأجاب النبي ما أنا بقارئ، فقال في الثالثة إقرأ باسم ربك الذي خلق، فأصاب النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً شديداً، فترك الغار وذهب إلى بيته حيث السيدة خديجة بنت خويلد زوجته، وقص عليها ما حدث، فأذهبت عنه الروع وطمأنته، ولقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين ذلك في حديث صحيح عن النبي أنها قالت:(أَوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكانَ يَأْتي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وهو التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ، ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهو في غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فِيهِ، فَقالَ: اقْرَأْ، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ} حتَّى بَلَغَ - {عَلَّمَ الإنْسَانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} )،
وكان للسيدة خديجة رضي الله عنها ابن عم يسمى ورقة بن نوفل، وكان حبراً من أحبار اليهود وشيخاً كبيراً يعلم بالإنجيل والتوراة وكان لا يبصر، فذهبت السيدة خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها وقصت عليه ما حدث، فقال لها ورقة بن نوفل هذا هو الناموس الذي نزل على موسى، وتمنى ورقة بن نوفل نصرة النبي صلى الله عليه وسلم حين يخرجه قومه، ولكنه لم يدركه فتوفى ورقة بن نوفل بعدها بقليل، ولم ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فترة من الزمن، قيل أن عدم نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة كان طمأنينة للنبي وتشويقاً له في نزول الوحي مرة أخرى، حيث لم ينتهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خلوته بنفسه في غار حراء، بل كان يذهب إلى الغار في كل يوم يتعبد إلى ربه وينتظر نزول الوحي، وذات يوم سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت جبريل عليه السلام الذي جاءه قبل ذلك وكان قد عرف صوته، ينادي عليه قائلاً يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، إلى آخر الآيات وأُمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ دعوة الله سبحانه وتعالى.

مراحل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم

الدعوة السرية

استمرت الدعوة السرية لمدة ثلاث سنوات، النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيها من يرى فيه الصلاح والبحث عن الحق، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم سراً دون أن تعلم قريش لأنهم كانوا يعبدون الأصنام ويشركون بالله ما لم ينزل به سلطاناً، فكان من الصعوبة بمكان أن تأتي الدعوة جهراً بشكل مباشر في أول الأمر، فكان أول من أسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم وآمن به وصدقه، زوجته السيدة خديجة بنت خويلد، التي وقفت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم بنفسها وبمالها، ونصرته ولم تتخلى عنه حتى ماتت، وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال صديقه الصدوق أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ووقف إلى جنبه يدعو معه إلى الله سبحانه وتعالى فأسلم على يد أبي بكر الكثير والكثير، منهم عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وغيرهم كثير، وظلت الدعوة سرية على هذا الحال يدخل في الإسلام واحداً تلو الآخر إلى أن أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة.

الدعوة الجهرية

أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجهر بالدعوة وأن يبدأ بالأقربين من عشيرته، فقال تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى جبل الصفا، وأخذ ينادي على بطون مكة وقبائل قريش يا بني فلان يا بني فلان إلى أن اجتمع إليه الناس لينظروا ماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذكائه أقام عليهم الحجة قائلاً لهم، أرأيتم لو أخبرتكم أن عيراً خلف هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي، قالوا نعم ما جربنا عليك كذباً قط، فأعلنها النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً فأني رسول الله إليكم، فرد عليه أبو لهب قائلاً تباً لك يا محمد، ألهذا جمعتنا؟ وثارت عليه قريش فاتهموه بالكذب بعد ما قالوا عنه أنه الصادق الأمين، فكان حالهم كحال غيرهم من المكذبين لرسلهم من الأمم السابقة، ولم يتوانى النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى ربه بعد هذا وكان يحتمي بعمه أبو طالب، الذي قطع على نفسه عهداً أن لا يمس ابن أخيه أحداً بسوء أو ينال منه صلى الله عليه وسلم.

مقاطعة قريش للنبي وأصحابه

لما رأت قريش أن أبا طالب يتصدى لمن يكن أذى للنبي صلى الله عليه وسلم أو يريده بسوء، اتفقت قريش فيما بينهم على مقاطعة النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه، وحاصروهم في شعب بني هاشم، وكتبوا وثيقة ببنود تلك المقاطعة بدأوها بأسمك اللهم، وعددوا بعد ذلك البنود التي كانت تدور حول عدم التعامل مع المسلمين ومقاطعتهم، وعدم الزواج منهم أو تزويجهم، وعدم الشراء منهم أو البيع لهم وغير ذلك، واستمرت تلك المقاطعة لمدة ثلاث سنوات متتالية، ولما اشتد الحال على النبي وأصحابه ولم يجدوا ما يأكلون تشاور كلاً من زهير بن أبي أمية وهشام بن عمرو بأن يقوما بشق الوثيقة التي علقت على جدار الكعبة، فلما ذهبوا إليها وجدوا الأرضة قد أكلتها فجمعوا قريش وأخبروهم بذلك الخبر وانفك الحصار وعاد المسلمون إلى ديارهم.

عام الحزن

مر على النبي صلى الله عليه وسلم عاماً لقي فيه ما لقي من أذى قريش وضعوا سلا الجزور على ظهره وعذبوا أصحابه، واشتد الأذى عليهم، وكان هذا العام من أشد الأعوام التي مرت على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث توفت زوجته السيدة خديجة بنت خويلد التي كانت تؤآزره وتسانده، وتقف إلى جنبه وتنصره، دافعت عنه بنفسها ومالها، توفت رضي الله عنها قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنوات، وفي نفس العام مرض أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم مرضاً شديداً أقعده بالفراش، وكان النبي يحتمي بعمه، ولما علمت قريش بمرض عمه أبو طالب بدأت تعلن أذاها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يمضي في دعوته إلى ربه، لا يمنعه أذاهم عن تبليغ الدعوة، فلما رأوا ذلك ذهبوا إلى أبي طالب في بيته، وطلبوا منه أن يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكف عن دعوته وله ما يريد، وطلب أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الأمر فرفض الرسول رفضاً شديداً، فعلم أبو طالب أن للنبي صلى الله عليه وسلم مبدأ يدافع عنه فتركه يفعل ما يريد، ولم يكترث النبي لأفعال المشركين ولم يصده ذلك عن دعوته، وقبل وفاة أبو طالب كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً معه، يريد منه النبي أن يدخل في الإسلام، فأمره أن ينطق بالشهادتين قائلاً له يا عم قل لا إله إلا الله محمد رسول الله فأبى أبو طالب ومات على كفره، وحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً لوفاة عمه الذي كان يدافع عنه، ووفاة السيدة خديجة التي كانت مسكنه وكانت تقف إلى جانبه وسمي هذا العام بعام الحزن.

النبي في الطائف

خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بلاد الطائف يدعوهم إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، وترك عبادة الأصنام، وفي قبيلة ثقيف يجلس النبي صلى الله عليه وسلم يستظل بظل حائط حيث سلطوا عليه صبيانهم وغلمانهم، يرمون النبي صلى الله عليه وسلم بالحجارة ويتهمونه بالسفه والجنون، وسخروا منه واستهزؤا به، وسالت الدم من قدميه الشريفتين فأخذ يناجي ربه قائلاً (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهّمني أو إلى عدوٍ ملكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل عليّ سخطك لك العقبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك).

ما الذي حدث في الحبشة؟

لما اشتد العذاب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أرض مكة أمرهم أن يخرجوا مهاجرين إلى الحبشة لأن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وكانت تلك أول هجرة في تاريخ الإسلام، وكان عدد المهاجرين في هذه الهجرة ثلاث وثمانون رجلاً، ولما وصل المسلمون إلى بلاد الحبشة وعلمت قريش بهذا الخبر أرسلوا عبد الله بن أبي ربيعة ومعه عمرو بن العاص، وأرسلوا معهم الهدايا إلى ملك الحبشة ( النجاشي) ليقدموها له ويطلبوا منه أن يرد إليهم المسلمين الذين هاجروا إليه، وتعللوا لذلك بأن هؤلاء فارقوا دينهم ولكن النجاشي كان منصفاً فطلب من المسلمين أن يتكلم عنهم أحدهم ليبين موقفهم، فقام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ليتكلم عنهم وسأله النجاشي بماذا يدعوهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه يدعونا إلى عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، ويحسنا على صلة الرحم والتصدق، وقول الحق وترك الكذب، وعدم الفواحش وغير ذلك، فقال له النجاشي هل معك شيئ مما نزل على نبيك، فقرأ عليه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مطلع سورة مريم، فلما سمع النجاشي كلام ربنا سبحانه وتعالى بكى بكاءاً شديداً وأخبر عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة بأنه لم يسلم له المسلمين وأنهم في أمن وأمان في بلاد الحبشة، ولكن عمرو بن العاص كان داهية في الجاهلية، يتصف بالذكاء والفطنة، فعاد إلى النجاشي وأراد أن يوقع بينه وبين المسلمين، فقال للنجاشي إن هؤلاء يقولون قولاً لا ترضاه عن عيسى ابن مريم فجمع النجاشي المسلمين وقال ما تقولون في عيسى ابن مريم، فقام إليه جعفر بن أبي طالب وقال إنما هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فصدق النجاشي ما قال المسلمون وأمر برد الهدايا التي جاء بها عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة.

معجزة الإسراء والمعراج

لما اشتد الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم ولقي ما لقي من إعراض قومه عنه، وتكذيبهم له، وتعذيب أصحابه والنيل منهم، وتضرع إلى ربه، جاءت رحلة الإسراء والمعراج تسلية وتسرية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن الله يقول له إذا كان أهل الأرض أعرضوا عنك فإن أهل السماء يشتاقون إليك، ومن الجدير بالذكر أن رحلة الإسراء والمعراج كانت في السنة العاشرة من النبوة، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات، وهناك من يقول بأنها كانت قبل الهجرة بخمس سنوات والله أعلم، وبدأت تلك الرحلة بالإسراء، حيث أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من بيته في مكة إلى بيت المقدس في جزء قصير من الليل، حيث ركب النبي صلى الله عليه وسلم البراق وكان معه أمين الوحي جبريل عليه السلام، وجمع الله سبحانه وتعالى الأنبياء السابقة وصلى بهم نبينا صلى الله عليه وسلم إماماً في بيت المقدس، ثم عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، فوجد في السماء الأولى نبي الله آدم عليه السلام، وفي السماء الثانية نبي الله يحيى بن زكريا ومعه عيسى بن مريم عليهما السلام، وفي السماء الثالثة رأى فيها نبي الله يوسف عليه السلام، وفي السماء الرابعة نبي الله إدريس عليه السلام، وفي السماء الخامسة نبي الله هارون، وفي السماء السادسة رأى كليم الله موسى عليه السلام، وفي السماء السابعة رأى خليل الله إبراهيم عليه السلام، وكلما مر على أحد منهم آمن بنبوته وسلم عليه وسعد بلقائه، ثم عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك من السماء السابعة إلى سدرة المنتهى وفرض الله على الأمة خمسين صلاة، ولما نزل النبي صلى الله عليه وسلم إلى نبي الله موسى أخبره أن الأمة لا تطيق ذلك، وأمره أن يعود إلى ربه فيطلب منه التخفيف، وعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه وطلب منه التخفيف، وظل النبي صلى الله عليه وسلم يصعد إلى ربه وينزل إلى موسى طالباً التخفيف عن أمته إلى أن صارت خمس صلوات في اليوم والليلة، ولكنها خمسون في الأجر.

بيعتي العقبة الأولى والثانية

كان الناس يفيدون إلى بيت الله الحرام كل عام في موسم الحج، وكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم قد عم وانتشر وعلم الناس برسالته وبدعوته وتيقنوا من صدقه، فجاءه وفد من الأنصار بلغ عدد هذا الوفد إثنا عشر رجلاً بايعهم النبي صلى الله عليه وسلم على عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، وترك عبادة الأصنام وعدم الزنا، وقول الحق وترك الزور وال


محمد