admin
14-06-2022 - 11:32 am


قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام
بعث الله نبيه إبراهيم عليه السلام إلى قوم عرفوا بعبادة الأوثان والأصنام التي يصنعونها بأيديهم، فأخذ إبراهيم عليه السلام يدعو قومه بالكلمة الطيبة والأسلوب الجميل، فلم يستجيبوا له بل سلكوا كل الطرق لعداوته والنكال به وتعذيبه، ولقد امتن الله سبحانه وتعالى على نبيه إبراهيم عليه السلام حين آتاه رشده قبل البعثة فلم يكن إبراهيم عليه السلام يعبد صنماً أو يسجد لوثن، بل كان يقابل ما يفعله قومه بالإستنكار وهو لم يبعث بعد، وحين بعثه الله سبحانه وتعالى إلى قومه الذين كانوا يعبدون تلك الأصنام ويسجدون لها، ولم يترك سيدنا إبراهيم عليه السلام سبيلاً إلى هداية قومه إلا وسلكه، وحين دعاهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة تلك الأصنام قابل قومه دعوته بالجحود والإنكار، معللين ذلك بأن تلك الأصنام وجدوا آباءهم يعبدونها من قبلهم فهم يتأسون بآبائهم، ولقد حكى القرآن الكريم ذلك في أكثر من موضع وفي أكثر من سورة ومنها على سبيل المثال قوله تعالى:(إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) فعندما سألهم إبراهيم عليه السلام عن هذه الأصنام التي يعبدونها أجابوه بأنهم وجدوا آباءهم لها عابدين،فأخبرهم بعداوته لهم ولهذه الأصنام، ولما رأى إبراهيم عليه السلام إستكبار قومه على دعوته، توعدهم بهدم أصنامهم وحلف سيدنا إبراهيم عليه السلام يميناً أن يكسر لهم أصنامهم ويدمرها لهم، ولم يكن من قومه أحد موجوداً حين حلف هذه اليمين إلا الذي أفشى عليه سره، حين قال سمعت فتىً يذكرهم يقال أنه إبراهيم، فجاءوا بسيدنا إبراهيم عليه السلام وسألوه عن فعله فأنكرعليهم عدم عقلهم، حين كسر الأصنام كلها إلا صنماً كبيراً لهم كان أكبر الأصنام الموجودة، وعلق الفأس التي كسر بها الأصنام في رقبة هذا الصنم الكبير، فلما سألوه مستنكرين عليه فعلته، ءأنت فعلت هذا يا إبراهيم، أجابهم إبراهيم عليه السلام أنه لم يفعل هذا، وإنما الذي فعله هو ذلك الصنم الكبير فاسألوا تلك الأصنام إن كانت تنطق، أو تملك نفعاً أو ضراً، حينها صمت قومه ولم يستطيعوا الرد عليه لأنه أقام عليهم الحجة الواضحة، وأثبت لهم سفههم، وعدم إكتمال عقلهم، فقرر قوم سيدنا إبراهيم عليه السلام إن يتخلصوا منه.

إبراهيم إلقائه في النار

إن المتأمل في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام يجد أنه كان أقوى من قومه بعقله وفطنته ورجاحته وذكائه، بينما كان قومه ضعفاء أمامه، فلما أقحمهم ولم يستطيعوا إجابة على أسئلته، ولم يملكوا حجة أو مبرراً لعبادة الأصنام، اجتمع قوم سيدنا إبراهيم عليه السلام على أن يحرقوه ويتخلصوا منه، وبالفعل قاموا بجمع الحطب من كل مكان وحبسوا سيدنا إبراهيم عليه السلام في بيت وأغلقوا عليه، وكانوا يرون أنهم يتقربون لأصنامهم بتعذيب سيدنا إبراهيم عليه السلام، لأنه كان يسب آلهتهم، حتى أن المرأة المريضة كانت تقول لئن شفيت لأجمعن الحطب لحرق إبراهيم، قربة للصنم التي كانت تعبده، وأشعل قوم سيدنا إبراهيم النار وكانت ناراً عظيمة جداً، حتى أن الطير كانت إذا مرت من فوق هذه النار احترقت من شدة الوهج الذي يخرج من هذه النار، ثم جاوء بعد ذلك بسيدنا إبراهيم عليه السلام ورفعوه إلى مكان عال عن الأرض لكي يلقوه في النار التي أعدوها له، وتوسلت الأرض والجبال والسماء والملائكة إلى ربهم قائلين يا ربنا إن نبيك إبراهيم عليه السلام يحرقه قومه من أجلك، والله أعلم بما هو كائن وما سيكون، فرد الله عز وجل عليهم بأنه أعلم منهم بنيه إبراهيم وأنه سبحانه سينجيه ولا يخذله، لأن ذلك سنة كونية لله في الخلق، فالله سبحانه وتعالى ينجي الطائعين، ويهلك العاصين، وقيل أن إبراهيم عليه السلام حين رفعوه على المبنى المرتفع لكي يلقوه في النار، نظر إلى السماء قائلًا، اللهم إنك تعلم أنك أنت الواحد في السماء وأنه لا يعبدك أحد في الأرض غيري، حسبي الله ونعم الوكيل، وألقى قوم إبراهيم سيدنا إبراهيم عليه السلام في النار، ونادى جبريل عليه السلام من السماء، بأمر من الله عز وجل على النار، قائلاً يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، ولم يقل برداً فقط لأنها لو كانت برداً فقط لتعذب فيها إبراهيم عليه السلام أيضاً من شدة البرودة ولكن كانت برداً وسلاماً معاً، وقيل أن إبراهيم عليه السلام ظل في النار أكثر من أربعين يوماً، والله أعلى وأعلم.

إبراهيم مع أبيه آزر

لما بدأ إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الله عز وجل بدأ بأبيه آزر، وقيل أن آزر ليس بأبيه وإنما كان عمه، وأخذ إبراهيم عليه السلام يدعو أبيه أو عمه هذا إلى الله عز وجل باللين والرأفة والرحمة والشفقة، فلم يقل له يا هذا أو يا فلان وإنما قال له يا أبت، قال يا أبتي إني رسول من قبل الله عز وجل، لهداية الناس وإخراجهم من ظلام الشرك إلى نور التوحيد، يا أبت إني قد جاءني من العلم من قبل الله ما لم يأتك، يا أبتي اتبعني لكي أهديك إلى صراط الله المستقيم، يا أبت إني أخاف عليك من أن تكون من حزب الشيطان فيمسك عذاب من ربي فتصبح من أنصار الشيطان، وحزب الشيطان هم الخاسرون، فأجابه آزر قائلاً يا إبراهيم أترغب عن آلهتنا التي وجدنا عليها آباءنا، إن هذا لهو الضلال الحق، ولكن إبراهيم عليه السلام كان حريصاً على هداية أبيه، فوعده أن يستغفر له الله عسى الله أن يغفر له، ولقد حكى لنا ذلك القرآن الكريم فى سورة مريم فقال ربنا سبحانه وتعالى:{وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ إبراهيم إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً* إِذْ قَالَ لأبيه يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً* يا أَبَتِ إِنّي قَدْ جاءني مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فاتبعني أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً* يا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشيطان إِنَّ الشيطان كَانَ لِلرَّحْمَـنِ عَصِيّاً* يا أبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَـنِ فَتَكُونَ للشيطان وَلِيّاً* قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلهتي يا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً* قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً* وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيًّا* فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً* وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}.

إبراهيم مع النمرود

كان النمرود بن كنعان من قوم سيدنا إبراهيم عليه السلام، ولكنه كان من عبدة الأصنام، وكان مدافعاً عن معتقده مستخدماً في ذلك الحجج العقلية، فتحدى النمرود إبراهيم عليه السلام حين قال له إبراهيم إن ربي الذي يحيي ويميت، فأجابه النمرود بأنه أيضاً يستطيع أن يحيي ويميت وكان النمرود ابن كنعان ذا شأن ورأي في قومه، فجاء برجل فأمر بقتله ثم أمر بالعفو عنه، وقال يا إبراهيم أنا أحيي وأميت، ومن ذكاء سيدنا إبراهيم عليه السلام ورجاحة عقله، لأن الأنبياء موصوفون بالذكاء والفطنة، رد عليه قائلإ إن الله يأتي بالشمس من المشرق فهل تستطيع أنت أن تأتي بها من المغرب، فبهت الذي كفر، ولم يستطع الرد، ولقد حكى القرآن ذلك في قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ورغم هذا التحدي العنيف وانتصار سيدنا إبراهيم عليه السلام على النمرود ابن كنعان، إلا أنه لم يؤمن بعد ذلك لأنه قد اعتاد على التجبر في الأرض والإفساد فيها.

فداء إبراهيم ولده إسماعيل

شاخ سيدنا إبراهيم عليه السلام وكبر سنه ورق عظمه ولم يرزقه الله بالولد، وبعد طول زمن أنعم الله على سيدنا إبراهيم عليه السلام بولد من السيدة هاجر وهو إسماعيل عليه السلام، وألقى الله حب إسماعيل في قلب إبراهيم عليه السلام، وصار الولد يكبر يومًا بعد يوم، ويتعلق به إبراهيم أكثر فأكثر، وكان إسماعيل عليه السلام باراً بأبيه وكان إبراهيم عليه السلام يحب إسماعيل حباً لا يحبه لأحد في الدنيا، وذات ليلة نام إبراهيم عليه السلام فرأى في منامه أن بيده سكينا يذبح بها ابنه إسماعيل عليه السلام، ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء حق ووحي من الله عز وجل، فعلم إبراهيم عليه السلام أنه مأمور بذبح ولده إسماعيل وقد كان بلاءً عظيماً لسيدنا إبراهيم عليه السلام، ولكن إبراهيم امتثل أمر ربه ونادى على ولده إسماعيل قائلاً يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى وكان إسماعيل عليه السلام باراً بوالده إبراهيم فامتثل لأمر أبيه، وقال يا أبت افعل ما أمرك الله به وسأصبر يا أبتي ولا أجزع، فهذا أمر من الله وليس منك، ويجب علينا التسليم لأمر الله، وبالفعل امتثل كل من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لأمر الذبح، واستل إبراهيم عليه السلام سكينا وهم بذبح إسماعيل عليه السلام، قيل أن إسماعيل عليه السلام قال يا أبت إذا أردت أن تذبحني فضع وجهي ناحية الأرض، وذلك خوفاً من أن يقع نظر إبراهيم عليه السلام على عين ولده الصغير فلا يمتثل لأمر الذبح الذي أمره الله به، ولما انكب إسماعيل على الأرض واستعد إبراهيم للذبح ووضع السكين على رقبة ابنه، نادى مناد من قبل الله عز وجل يا إبراهيم قد فديناه، قد صدقت الرؤيا يا إبراهيم فلا تذبح، وأنزل الله عز وجل كبشاً من السماء وفدى به نبي الله إسماعيل، وقام إبراهيم عليه السلام بذبح الكبش مكان ولده إسماعيل عليه السلام.

الملائكة في ضيافة إبراهيم

أرسل الله عز وجل الملائكة الكرام إلى قوم لوط لأنهم قد بلغوا مبلغاً عظيماً في معصية الله عز وجل، وعدم طاعته، ومخالفة أوامره، أرسل الله إليهم الملائكة لإهلاكهم، وفي طريقهم مرت الملائكة ببيت إبراهيم عليه السلام، فتركوا عليه الباب ففتح لهم، غير أن نبي الله إبراهيم عليه السلام لم يكن يعرفهم وأنكرهم، فقال لهم أنكم قوم منكرون، وقيل أن الملائكة الذين جاءوا إلى إبراهيم كانوا تسعة وعشارهم جبريل عليه السلام، وقيل كانوا 12 ملكاً والله أعلم، فلما دخلوا على إبراهيم عليه السلام استغرب منهم لأنهم لم يكونوا معهودين في قومه، وقيل لأنهم مختلفين عن الصور البشرية، ولكن من كرم إبراهيم عليه السلام وحسن ضيافته أن رحب بهم وأستقبلهم بأحسن إستقبال وصار مستخفياً بسرعة شديدة إلى أهل بيته فعمد إلى عجل كان عنده فذبحه وشواه وقدمه إلى الملائكة لكي يأكلوا، ولكن إبراهيم عليه السلام لاحظ أنهم لا يأكلون فخاف منهم إبراهيم عليه السلام أحس بخيفة في نفسه لأنهم لم يأكلوا من الطعام الذي قدمه إليهم، فتوقع إبراهيم في نفسه أن هؤلاء جاءوا للشر ولم يأتوا لخير لأنه كان من عادة العرب أنهم كانوا يأمنون الضيف إذا أكل من طعامهم، أما إذا لم يأكل علموا أنه لا يريد إلا الشر فلاحظت الملائكة الكرام ذلك، وطمئنوا إبراهيم عليه السلام، وأخبروه أنهم ملائكة من قبل الله عز وجل أرسلهم الله إلى قومه لينذرهم بالعذاب الذي يستحقوه بسبب عصيانهم وطغيانهم، وقبل أن ينصرفوا من بيت إبراهيم عليه السلام بشروه بأن الله عز وجل سيرزقه بولد، وكانت امرأته تستمع لهذا الكلام فضربت على وجهها، وقالت هذا رجل عجوز وأنا امرأة عاقر، فكيف يكون ذلك فأجابتها الملائكة الكرام أن الله لا يعجزه شيء أراده في الأرض ولا في السماء فإنه يقول للشيء كن فيكون، وذكر أهل العلم أن هذا الولد إنما هو نبي الله إسحاق عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

إبراهيم مع الطيور

ذكر كثير من أئمة التفسير منهم عطاء والضحاك وقتادة وغيرهم، أن إبراهيم عليه السلام مر ذات يوم في طريقه بجيفة ميتة، وقد أجتمعت السباع يأكلون منها فلما رآها سيدنا إبراهيم عليه السلام، قال يا ربي أعلم أنك قادر على كل شيء ولكنى أريد أن أرى كيف تجمع هذه الأجزاء من بطون السباع وغيرها، ولم يكن سؤال إبراهيم عليه السلام للتشكيك في قدرة الله عز وجل، وإنما إلى زيادة اليقين فقال لكي يطمئن قلبي، فأوحى الله عز وجل إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، أن يأخذ أربعة طيور مختلفة، ويتعرف عليها جيداً ثم يقوم بذبح هذه الطيور وتقطيعها قطعاً صغيرة، ويخلط هذه القطع بعضها ببعض حتى لا يستطيع التفرقة بينهم، وقيل أن هذه الطيور الأربعة، هي الطاووس والحمامة والديك والغراب، وأمره الله عز وجل أن يقوم بوضع قطع اللحم موزعة على جبال أربعة كانت بالقرب منه، ثم ينادي على هذه الطيور بأسمائها، فتجتمع عنده ساعية إليه، وقال ساعية ولم يقل طائرة لكي لا يختلط عليه الأمر، فجاءته الطيور تمشي إليه كل طائر على حسب الحالة التي كان عليها قبل أن يذبحه إبراهيم عليه السلام، وهذا إنما حدث بقدر الله عز وجل وقدرته، وأثبت لنا القرآن الكريم ذلك في أواخر سورة البقرة حيث قال ربنا جل وعلا : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

هجرة إبراهيم

لما نجى الله إبراهيم عليه السلام من النمرود وأعوانه، هاجر من أرض العراق إلى أرض الشام، ولكن حينها كان القحط قد عم البلاد، وهذا ما اضطر إبراهيم عليه السلام إلى أن يهاجر من بلاد الشام إلى أرض مصر، وكانت أرض مصر ساعتها تحت ملك متكبر، وكان بصحبة إبراهيم عليه السلام زوجته سارة عليها السلام وكانت السيدة سارة على قدر شديد من الجمال، فأعجب بها الحراس وأعوان الملك وأخبروا الملك بأمرها فأرسل إليه الملك وسأله عن المرأة الجميلة التي معه، فقال إبراهيم عليه السلام أنها أخته ولم يقل له أنها زوجته، ولم يكذب إبراهيم في ذلك لأن إبراهيم عليه السلام تجمعه بزوجته أخوة الإيمان وأراد الملك أن يأخذ السيدة سارة عليها السلام من سيدنا إبراهيم، فقامت السيدة سارة وتوضأت وصلت ودعت ربها عز وجل بأن لا يتسلط عليها أحد من الكفار، فاستجاب الله عز وجل لها وصرف عنها هذا الكافر، فأصابته نوبة شديدة من الألم، وكلما هم بالسيدة سارة أصابته هذه النوبة مرة ثانية، حتى علم هذا الكافر أن هذه النوبة إنما هي بسبب سارة، فقال ارجعوا بها إلى إبراهيم، ووهبه السيدة هاجر عليها السلام، تزوج إبراهيم عليه السلام من السيدة هاجر فحملت منه وبعد فترة ولدت له ابنه إسماعيل عليه السلام، فرح إبراهيم عليه السلام بمولد إسماعيل فرحاً شديداً، وفرحت به أيضاً السيدة سارة إذ أنها لم تكن تنجب، ولكنها بعد ذلك غارت من السيدة هاجر ومن ولدها غيرة شديدة، فطلبت من سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يذهب بالسيدة هاجر وولدها إسماعيل إلى أرض بعيدة عن الأرض التي يسكنون فيها، وكان الله عز وجل قد أوحى إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يهاجر بزوجته هاجر وولدها إسماعيل إلى أرض مكة، وبالفعل أخذ سيدنا إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وولدها إسماعيل إلى مكة ولم تكن أرض مكة حينها سوى صحراء جرداء جدباء، وحين وصل إبراهيم عليه السلام بزوجته وولده إلى المكان الذي أمره الله به وهم أن ينصرف عنهم قالت هاجر، يا إبراهيم تتركنا هنا في أرض جرداء لا زرع بها ولا ماء، فلم يلتفت إليها إبراهيم، فقررت عليه السؤال مرة أخرى ولم يلتفت إليها إبراهيم، فقالت يا إبراهيم أهذا أمر من الله، فأشار برأسه أن نعم، فقالت السيدة هاجر إذن لن يضيعنا الله، وأخذت السيدة هاجر تبحث عن الماء أو عن الطعام لها ولولدها الصغير ولكنها لم تجد شيئا، فأخذت السيدة هاجر تسعى بين الصفا والمروة إلى أن بلغت سبعة أشواط، ومن الله عز وجل على هاجر وولدها إسماعيل ببئر زمزم الذي أنشأه الله عز وجل تحت قدم إسماعيل عليه السلام.

كيف بنى إبراهيم الكعبة

عندما ترك إبراهيم عليه السلام ولده إسماعيل مع زوجته هاجر في تلك الأرض التي ليس بها ماء وبعد أن نبع الماء من بئر زمرم، وبدأ الناس يمرون عليهم في الطريق فيأخذون منهم الماء ويعطونهم الطعام، وبدأ إبراهيم عليه السلام بزيارة ولده إسماعيل وأمه، فزارهم مرة بعد مرة، وفي المرة الثالثة أخبر إبراهيم عليه السلام ولده إسماعيل أن الله سبحانه وتعالى أمره أن يبني له بيتاً في هذا المكان، فقال إسماعيل عليه السلام لأبيه يا أبت افعل ما أمرك الله به وستجدني عوناً لك على طاعة الله عز وجل وتنفيذ أمره، وبالفعل أخذ إبراهيم عليه السلام بالحفر وأعمال البناء، وحكى القرآن الكريم لنا ذلك فقال سبحانه وتعالى:( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). ولما انتهى إبراهيم وإسماعيل من بناء البيت أمر الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج.

المستفادة من قصة إبراهيم

المتأمل في قصة إبراهيم عليه السلام يجدها مليئة بالدروس والعبر ومنها:
حسن التوكل على الله عز وجل، فلما توكل إبراهيم على ربه، وجعلها برداً وسلاماً عليه.
الخضوع والاستسلام لأمر الله عز وجل كما فعل إبراهيم عليه السلام حين أمره الله عز وجل بذبح ولده فاستسلم لأمر الله، وأحب طاعة الله عز وجل، فلما أطاع أنجاه الله من الكرب وكشف عنه الغم، وفدى ولده بكبش عظيم من السماء.
قدرة الله عز وجل لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، فإن الله يقول للشيء كن فيكون، فقد وهب لإبراهيم عليه السلام الولد بعدما بلغ من الكبر مبلغاً عظيماً.
عاقبة المتكبرين دائماً إلى الشر كما في قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود بن كنعان، وأن النصرة دائماً لصاحب الحق.


إبراهيم